قضايا محلية

عين عباسة : جريمة في حق الأراضي الفلاحية .. 100 سكن اجتماعي داخل مستثمرة فلاحية

في خطوة خطيرة قد تعصف بالأراضي الخصبة ببلدية عين عباسة شمال شرق ولاية سطيف، صادق  المجلس الشعبي البلدي بعين عباسة على عملية اقتطاع مساحة إجمالية تفوق 18 هكتارا شملت أجود الأراضي الفلاحية بالبلدية و التي هي أصلا جزء من مستثمرة فلاحية بالمنطقة المسماة ” مسيد ” الواقعة في الجهة الغربية للبلدية، هذه الأراضي الفلاحية التي تعتبر عالية الجودة، تم إدراجها ضمن المخطط التوجيهي التوسعي الذي لم يتم المصادقة النهائية عليه، و الذي سيضم مشاريع سكنية بحتة، في حين يعتبر هذا الأمر خطأ فادحا وكبيرا للغاية ولا يحقق أي هدف من أهداف التنمية المحلية، خاصة وأن البلدية تضم الكثير من القطع الأرضية الصالحة للبناء و التي لا تصنف كأراضي فلاحية، والمتواجدة بشكل كبير على طرفي الطريق الوطني رقم 75 .

القضية التي اهتز لها الرأي العام ببلدية عين عباسة، يعكس الجهل الكبير لقيمة الأراضي الفلاحية التي تعتبر المورد الأساسي الخلاق للثروة، أين تعود ملكية هذه الأراضي الفلاحية إلى الدولة في بداية الأمر، لكنها تعتبر في الأصل مستثمرة فلاحية كبيرة تقوم بزراعة مختلف أنواع القمح و الحبوب على مدار السنوات الماضية، وتضم المسثمرة الفلاحية الجماعية المسماة: ” لحسن عمارجية ” بعين عباسة أكثر من  410 هكتار تجمعها مع الديوان المهني للحبوب اتفاقيات سنوية لإنتاج البذور النظامية، وذلك باعتبار هذه الأراضي من أجود ما تملكه ولاية سطيف، وتبلغ مردوديتها مستويات قياسية في مواسم الأمطار و الثلوج.

وتشير هذه الاتفاقيات مع أعضاء التعاونية و التي كان آخرها في موسم 2023/ 2024، مما يدل على أن أراضي هذه المستثمرة مستغلة بشكل دوري وسنوي، على أن هذه المستثمرة الفلاحية مستوفاة لكل الشروط المطلوبة لعملية تكثيف البذور، خاصة وأن هذه العمليات تساهم بشكل كبير في توجيه الإنتاج الوطني نحو النوعية الممتازة للقمح البليوني وما يقابله من أصناف جيدة في هذه المناطق التي تعرف لحد اليوم بتربتها السوداء ومردودها الكبير حتى في مواسم الجفاف التي ضربت المنطقة.

من جهة أخرى تحصي المستثمرة الفلاحية العديد من النشاطات الفلاحية الأخرى مثل تربية الأبقار الحلوب، أين تحتوي على قرابة 70 رأس بقر وتربطها مع مصانع الحليب العديد من الاتفاقيات لتوريد حليب الأبقار على مدار السنة، فيما توثق مستندات تحصلت عليها سطيف وان على أن مصالح البلدية قد صادقت على عملية حفر بئر في نفس هذه الأراضي التي يراد اقتطاعها بمبلغ 440 مليون سنتيم، قبل أن تقوم بردمه فيما بعد لأسباب مجهولة.

أعضاء التعاونية الفلاحية وبعد خرجة مصالح بلدية عين عباسة للاستيلاء على هذه الأراضي الفلاحية، توجهوا بالعديد من الشكاوى و المراسلات إلى المصالح الأمنية ومصالح الوزارة الأولى، وفعلا تم استقبالهم منذ أيام فقط من طرف مديرية التعمير بولاية سطيف من أجل سماعهم في محضر رسمي بغرض التحقيق في هذه القضية، زيادة على تلقيهم مراسلات من طرف مصالح البحث و التحري للدرك الوطني للتحقيق كذلك في القضية.  

رئيس البلدية بالنيابة عبد الغني طيار أكد في تصريح له بأن البلدية استفادت من حصة 100 سكن إجتماعي  وان مصالحه أكملت جميع الإجراءات الإدارية، وتم توطين الحصة بالعقار المتواجد بالمخطط التوجيهي للتهيئة و التعمير والممتد على مساحة 8327م2 من مساحة إجمالية تقارب 18 هكتار.

وفي نفس السياق تأكد مراسلة من مصالح مديرية التعمير مؤرخة في شهر 15 جانفي 2024 موجهة إلى أعضاء التعاونية بعد تقديمهم لشكوى واعتراض على ضم جزء من العقار الفلاحي إلى مخطط التوجيه للتهيئة و التعمير، على قرارا استثناء دمج الجزء المذكور ، وتم مراسلة رئيس البلدية الذي طلب رسم الحدود و القطاعات، حيث أصبحت القطعة المذكورة تابعة للقطاع الغير قابل للتعمير وفق قرار رسم الحدود الجديد، وهو دليل واضح على تراجع الجهات الوصية عن مثل هذه التجاوز الخطير في حق الأراضي الفلاحية، قبل أن يتم بعد ذلك الإستمرار في عملية الإقتطاع لأسباب مجهولة.

من جهة أخرى فإن مصالح الوزارة الأولى عبر تعليمة تحمل الرقم 003 من القانون رقم 00.25 المؤرخ في 18 نوفمبر 1990، و التي إرسالها على سبيل التذكير إلى كل المصالح المعنية عبر الولايات بتاريخ 27 ماي 2018، تنص صراحة وتشدد على أن عملية تحويل أرض فلاحية خصبة إلى أرض قابلة للتعمير لا يمكن أن يكون نافذا، إلا عبر مرسوم يصدر عن مجلس الوزراء، فيما تشدد التعليمة التي تملك الخبر نسخة منها، على حضر إلغاء تصنيف أراضي المستثمرات الفلاحية الفردية أو الجماعية بشكل صريح ومباشر.

هذه التعليمة الصريحة من أعلى هيئة في البلاد، تؤكد أن الإستيلاء على أرض فلاحية لإنجاز سكنات إجتماعية يعتبر عبثا صريحا وتلاعبا بتعليمة الوزارة الأولى، و التي تؤكد في  مضمونها أيضا، على أن عملية الاقتطاع لا تكون إلا لتوطين مشاريع بالغة الأهمية في حال عدم وجود أوعية عقارية مناسبة، في وقت بلدية عين عباسة لديها أوعية عقارية أخرى بكل من قرية البطحة وحتى في مركز البلدية لاحتواء هذا المشروع الذي يبدو أنه يخضع لاعتبارات تدخل في حسابات الإستحقاقات الإنتخابية القادمة.

هذه التجاوزات لم تكن الأولى بولاية سطيف، أين أقدم والي الولاية السابق زوخ عبد القادر على نفس الأمر حين أراد اقتطاع أكثر من 100 هكتار من أجود الأراضي الفلاحية بمنطقة الحاسي بالمدخل الجنوبي لمدينة سطيف من أجل تحويلها إلى معارض تجارية للسيارات، مما جعل العديد من المستثمرات الفلاحية تراسل مختلف الوزارات لإطلاعها بالأمر، خاصة في ظل وجود العديد من بروتوكولات التعاون الفلاحي بين ولاية سطيف وبلدان أوربية في هذه المستثمرات الفلاحية، وفعلا تم إدراج هذه القضية في مجلس الوزراء الذي أمر بإيفاد لجنة تحقيق مختلطة تضم وزارة الفلاحة و المالية ومصالح الوزارة الأولى، وتم التأكد من جودة هذه الأراضي، وعليه تم إلغاء عملية تحويل هذه الأراضي بشكل قطعي.

الغريب في الأمر أن السيد مدير المصالح الفلاحية بولفتات محمد الذي يعتبر المدافع الأول عن الأراضي الفلاحية بالولاية، لم يكلف نفسه الرد عن مكالماتنا الهاتفية المتكررة، وهي ليست المرة الأولى التي يتجاهل فيها ذلك، مما يطرح أكثر من علامات استفهام حول هذه التجاوزات التي ستصل دون شك إلى مسامع وزير الفلاحة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!
إغلاق
إغلاق