مال و أعمال

بعد رواج إشاعات قوية …هل طبعت الجزائر نقودا جديدة؟

راج مؤخرا في مواقع التواصل الاجتماعي فيديوهات قصيرة تتحدث عن أن بعض من الذين سحبوا أموالهم من موزعات البريد تلقوا أوراقا مالية جديدة، لم تُستعمل من قبل، حسبهم، وراح الكل يحلل أن الأمر متعلق بطباعة النقود والتي –حسبهم- ستجرّ على الجزائر ويلات التضخم، وذهب البعض الآخر للمقارنة بين فنزويلا وغيرها من الدول التي شهدت تضخما جامحا لا يقارَن لا من قريب ولا من بعيد بحالة الجزائر، والهدف من هذا المقال هو تطمين المواطن الجزائري والتأكيد له وللمهتمين بالاقتصاد أن الوضعية الحالية لا وجود فيها لطباعة نقود وأن ما يحدث أمر طبيعي جدا.

لماذا نطبع النقود؟
إن طباعة النقود وسيلة مهمة في أي اقتصاد، وتحديد حجم الكتلة النقدية الموجودة في السوق (أي حجم الأموال التي يجري تداولها) يخضع لعمليات حسابية معقدة، وأغلب البنوك المركزية في العالم مع دخول الرقمنة بدأت في تخفيض حجم النقود الورقية المتداولة، وأصبحت معه كل العمليات اليومية من احتساء كوب القهوة إلى الدخول لموقف السيارات وصولا لعمليات الشراء الكبيرة تجري من خلال معاملات رقمية غير ملموسة، لكننا في الجزائر لا نزال نستعمل الأموال بشكل مادي بكثرة وهذا ما أدى لتلف الكثير من الأوراق النقدية القديمة، مما يجعل بنك الجزائر يعدمها؛ إذ يجمعها ويتلفها عمدا، ويستبدلها بأوراق أخرى جديدة، خاصة ما تعلَّق بورقة 500 دج و1000 دج وحتى 2000 دج وغيرها من الأوراق التي اهترأت.

وفي عملية الاستبدال يجب أن لا تكون ورقة بورقة لكن الأهم أن تكون وفق القيمة وإحتياج السوق؛ أي يمكن للبنك أن يعدم 4 أوراق من فئة 500 دج ويصدر ورقة بـ2000 دج كما يمكنه إعدام ورقة بـ1000 دج ويصدر 5 قطع من قيمة 200 دج جزائري، فالقرار يعتمد على حاجة السوق، وعليه سيلاحظ المواطن الجزائري شيئا فشيئا غياب الأوراق النقدية البالية الممزَّقة، نظرا للاستبدال الذي حدث، لأن طباعة النقود وإضافتها للاقتصاد لا يجري بشكل اعتباطي بل يحتاج إلى قانون يمر على البرلمان ويكون ضمن سياسة تسمى “التمويل غير التقليدي للاقتصاد”.

ما دليلك على ما تقول؟
سيتهمني البعض بأن التفسير الذي قدّمته لا يعدو أن يكون محاباة، لكن الواقع والتقارير الدولية تؤكد أن التضخُّم في الجزائر في تراجع مستمر، بل إن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي أكدا أن التضخم في الثلاثي الأول من السنة الجارية لم يتجاوز الـ5 بالمئة، والمعروف أن طباعة النقود ترفع من قيمة التضخم في أي اقتصاد تحدث فيه، وهذا يعني أن الأسعار تراجعت بشكل ملحوظ في عديد القطاعات والمجالات، مع تسجيلات بعض الاختلالات الناتجة عن التذبذب الحاصل في الأسواق الدولية وهو الأمر الذي يتعبر عاديا في نظري، والأكيد أن الاستقرار سيكون سيد هذه السنة خاصة في المجال الفلاحي بعد أن سجلنا ارتفاع نسبة التساقط المطري في الشمال والجنوب، وهو الأمر الذي يفيد بكثرة الفلاحة الجزائرية التي تعتمد على الأمطار بشكل كبير.

مصدر ارتفاع التضخم في الجزائر
الخطر الذي ينذر بارتفاع التضخم في الجزائر هو قطاع الخدمات الذي يبقى غير مضبوط بالشكل اللازم، والأمر يتعلق هنا بالخدمات التي يحتاجها المواطن بشكل يومي، فزيارة الطبيب تكلف 1000 دج على الأقل وما يترتب عن هذه الزيارة من أدوية يجعل الفاتورة على الأقل ترتفع بـ2000 دج إضافية، وإذا تطلب الأمر زيارة لطبيب الأسنان فعليك أن تحضّر على الأقل 6000 دج لاصلاح ما أعطبته السكريات التي غزت أكلنا.
وبالتوجّه إلى الحِرف التي نحتاجها في حياتنا اليومية، فإنّ إصلاح أي عطب مائي أو كهربائي في المنزل لن تقلّ تكلفته عن 2000 دج من دون احتساب المواد الأوَّلية المستخدَمة، أما إن كنت من أصحاب السيارات وحصل عطبٌ فيها فأيُّ تقني لن يفحص السيارة بأقل من 500 دج وأي تدخل لن يكون أقل من 1500 دج، كل هذه الخدمات وأخرى جعلت التجّار في الجزائر يرفعون هامش الربح الذي كانوا يرونه مناسبا للحياة التي كانوا فيها، فبائع الخضر أو بائع المواد الغذائية كان يكتفي بـ5 دج كهامش ربح في مبيعاته وهو الأمر الذي لم يعد يستطيع به مواجهة غلاء الخدمات المقترحة في السوق الوطنية.

علينا ضبط قطاع الخدمات
إن من أهم الأدوات التي ستضبط التضخُّم في الجزائر وترفع القدرة الشرائية للمواطن الجزائري هو تنظيم قطاع الخدمات وتقديم حلول ميدانية للمشاكل التي يعانيها المواطن مع مقدمي الخدمات الذي أصبحوا يُرهقون جيب المواطن الجزائر وسيكونون السبب الرئيسي في الرفع من التضخم مستقبلا، وهو ما يجعلنا نؤكد ضرورة تنظيم هذه المجالات وتحديد هامش الربح فيها، وإيجاد آلية لمقدمي الخدمات كالرصاصين، والبنائين، والكهربائيين، والميكانيكيين، والدهانين… حتى يتم إخراجهم من السوق السوداء وإدراجهم ضمن فئة يمكنها أن تراقَب وينظم عملها.

السوق السوداء.. لا بد من دمجها
إن السوق السوداء في الجزائر لا تزال تحتل حجما كبيرا من الاقتصاد الوطني، وهي فجوة يمكنها إمتصاص حجم كبير من الكتلة النقدية، وعلى الوزارات المعنية مستقبلا أن تعدَّ خطط عمل لمواجهة هذه الظاهرة والتقليص منها، والبداية كانت صحيحة من خلال جعل الرقمنة أساسا في مخطط العمل القائم، وهناك ضرورة بل وحتمية لرقمنة الفواتير من خلال منصة وطنية تمنح لمصالح الضرائب الرقابة التامة على كل العمليات التجارية، وهو ما يجعل الاقتصاد الوطني قادرا على متابعة كل صغيرة وكبيرة داخل الاسواق الوطنية، وستكون هذه النقط بداية للقضاء على السوق السوداء، ترافقها إجراءات أخرى على مستوى القوانين الضريبية المطبَّقة في الجزائر.

مقالة للكاتب : الدكتور عمر هارون

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!
إغلاق
إغلاق