الحدثحواراتقضايا محليةمال و أعمال

محافظ بنك الجزائر السابق عبد الرحمن حاج ناصر يكشف: البنوك الإسلامية بنوك مضاربة بتسميات مختلفة

لا حديث اليوم في الحقل المالي الرسمي سوى عن “الصيرفة الإسلامية” و”البنوك الإسلامية” التي تفتح نوافذها داخل البنوك الكلاسيكية. هل هناك شيء اسمه بنك الإسلامي؟حتى يكون هناك بنك إسلامي، لابد من وجود عملة إسلامية، فدون عملة إسلامية لا يمكن إقامة نظام تمويل إسلامي. اليوم كل العملات تستند إلى الدولار الذي يسعر بدوره بنسبة فائدة لا تخضع لمعايير توافق القرآن.ما هو نظام التمويل الإسلامي؟ إنه تمويل تساهمي. وفي التمويل الإسلامي لا وجود إلا لـ “المخاطرة”، هو نظام لا يؤمن بـ “الضمانات”. أهمية الاقتصاد الإسلامي تكمن في أنه الاقتصاد الأكثر عصرنة الممكن أن يكون، لماذا؟ لأنه اقتصاد مبني على منع “الريع”، اقتصاد يقوم على “المخاطرة” المطلقة، وعلى أساس هذا التصور بني مفهوم التشريع الاقتصادي في الإسلام. أقرضك مالا، وأنا آمل أن أربح كثيرا، لأني مستعد لأن أخسر كثيرا معك، هذا هو المبدأ الأساس.- لا وجود لعملة إسلامية. ماذا نسمي الذي نحن بصدده اليوم؟كانت الجزائر أول بلد اعترف بالبنك الإسلامي، لم تكن لدينا أية هيئة تمويل إسلامية ولا بنك خاص، كان هناك في العالم عدة هيئات تقول إنها تضمن تمويلا إسلاميا، مثل “قطر بنك الإسلامي” وغيرها، ولكن لا أحد من هيئات التمويل هذه كان معترف بها في بلادها، كانت كلها تشتغل في إطار غير رسمي، ودون وجود أي بنك مركزي في العالم يشرف عليها ويراقبها. كانت كلها تعمل بطريقة غير رسمية وغير قانونية، وفي جو من الخطورة المطلقة.الأمر الثاني، كانت هيئات التمويل هذه تعمل على أساس منتوجات كلها مضمونة، بمعنى آخر، ننشئ منتوجات بتسمية “إسلامية” من قبيل “المرابحة”، “المشاركة”، “الإيجار”… إلخ. منتوجات ليست مبنية على “المخاطرة”، بل على نظام “ضمانات”، بمعنى أن أمول لك شراء سيارة أو سكن أو بضاعة، ولكن سأجعل السيارة أو السكن أو البضاعة ضمانا، وهذا أمر مخالف تماما للإسلام.المشكل الذي طرح في الجزائر، أنه ومنذ بداية الثمانينات، طفا إلى السطح نوع من الممارسات الدينية جد بدائية وجد سطحية، اعتبر فيها الناس أن نسبة الفائدة هي الربا، وكل فائدة ربا، إلى درجة أنه في بعض المناطق، خاصة في الهضاب العليا وبالأخص تيارت وسعيدة، حيث كبار الموالين كانوا يضعون أموالهم في صناديق الادخار، في كل سنة يأتي بدفتر ادخاره يودع أموالا أو يسحبها، وفي لحظة تقديمه دفتر الادخار يطلب حساب فوائده وإخراجها، فيترك هذه الفوائد في الشباك ويذهب، وحين يطلب منه أن يأخذ أمواله، يرد “إنها أموال حرام، افعل بها ما شئت”.المشكل الذي طرح أيامها، هو أنه كان هناك موظفون نزيهون، يأخذون هذه الأموال ويضعونها في صندوق خاص، ولكن كان هناك موظفون ليسوا كذلك، يضعون الأموال في جيبهم، ويقولون أخذها صاحبها. كان هذا مشكل يجب حله. – هل كانت مبالغ معتبرة؟بالتأكيد، نحن نسمي الأغنام المال، كانت أموالا كثيرة لموالين يملكون ألف رأس أو ألفين من الأغنام. كانت مبالغ ضخمة، الثراء قديما كان يقاس بالصوف وعدد رؤوس الأغنام.هذه الإيديولوجيا انتشرت في البلاد، وازداد عدد الذين يرفضون التعامل مع البنوك الكلاسيكية.في ماض أبعد من الثمانينات، يعني في سنوات 1940-1950، طرح هذا المشكل، وفقهاء ذلك الوقت وجدوا الحل، لأن في ذلك الوقت كانت جمعية العلماء المسلمين الحقيقية، وليست جمعية اليوم، قدمت قراءة، كانت قراءة بسيطة ولكنها عميقة، وهو أن هناك فرقا بين الفائدة وبين الربا. الفائدة هي ثمن العملية التي تسمح بأن لا تفقد أموالك قيمتها. فمثلا إذا اشتريت اليوم آلة بـ 100 ألف دينار، وغدا أشتري الآلة نفسها بـ 120 ألف دينار، ففارق الـ 20 ألف دينار هو الفائدة، وهذا ما يسمح لي بالحفاظ على ملكي. طبعا كانت حساب الفائدة بالقياس، نستعمل الذهب ومجموع من القيم المادية لحساب الفائدة. بمعنى آخر التضخم، أي عندما يكون لدينا نسبة فائدة مقاربة لنسبة التضخم فهذا ليس ربا. بل بالعكس إذا لم أسدد أنا البنكي فائدة تحميك من التضخم فأنا أسرق، وأنت كذلك إذا لم تسدد فائدة تحميني من التضخم فأنت تسرق أيضا.في ذلك الوقت، قال التجار الملتزمون بتعاليم الإسلام إن نسبة فائدة لا يمكن أن تحدد مسبقا. ونحن رجال سوق، فنظموا مع البنوك الفرنسية السوق، يتوجهون إلى الشباك ويتفاوضون على نسبة الفائدة، كانت هناك شبابيك مختصة، يتفاوضون فيها ويتوصلون إلى اتفاق يرضي الطرفين.ما كان مريحا في الخمسينات بفضل جمعية العلماء الحقيقية، أصبح غير ممكن في الثمانينات، بسبب الوهابية التي سيطرت على عقول الناس. يعني هناك تراجع حصل في قراءتنا للإسلام والتراجع الذي حصل في التحكم في اللغة العربية، لأننا انتقلنا من العربية التي عصرنتها جمعية العلماء إلى العربية التي حطمتها مدرسة الاستقلال، بسبب الخطاب السياسي لتلك الفترة، التعريب الذي هدف إلى هدم العربية مثل الأَسْلَمَاوٍية التي هدفت إلى هدم الإسلام.وأمام هذا الإرث من نتائج التعريب الفج والأسلماوية الوهابية لم يعد أمامنا وسائل لإقناع الناس، ولم نجد من وسيلة سوى اعتماد بنك إسلامي في الجزائر، لمواجهة طلب تجاري. كان ذلك في 1991– تقصد بنك البركة؟هو ذاك، بنك البركة، كان أول بنك إسلامي في العالم العربي الإسلامي، كان بنكا جزائريا-سعوديا، ولكن البنك السعودي الأم لم يكن معتمدا. – كيف والبنك جزائري-سعودي؟صحيح بنك البركة بنك سعودي، ولكن هذا البنك لم يكن معتمدا، هو صندوق، أو شركة مالية، ولكن في السعودية لم تكن البنوك الإسلامية غير معتمدة فقط بل كانت ممنوعة أصلا. كانت بنوك خارج حدود دولتها بنوك “Off-Shore”.لماذا اعتمدنا هذا البنك؟ أولا لأنه من الناحية التجارية كان لنا زبائن، وكان علينا أن نقدم لهم منتوجا يتوافق وحاجتهم، حتى لا تحول كل تلك الأموال، مثلما قلنا آنفا.ولكن بالموازاة، كان في ذهني أمر آخر. وقتها كنا نعمل على قابلية صرف الدينار مع نهاية 1992، كان ذلك برنامجي، ولست أدري إن كنتم تذكرون أننا أصدرنا “الدينار الذهبي” (1 دج ذهبي، 2 دج ذهبي، 5 دج ذهبي). لماذا الدينار الذهبي؟ كان للدينار الذهبي عدة وضائف، أولا وظيفة يمكن القول عنها وظيفة ثقافية تمكن أمهاتنا وزوجاتنا وأخواتنا من أن تتقلد حزاما بقطع ذهبية عليها صورة ماسينيسا بدل القطعة الإسبانية أو قطعة عليها صورة نابوليون، وهذا في حد ذاته أمر هام.ولكن كانت هناك أمور أخرى، لم يكن الأمر متعلق بتوفير واحتياط، بل كانت الفكرة هي بيع عملة قابلة للصرف. أي إدراج أول عملة قابلة للصرف هي الدينار الذهبي، لأن الذهب، بالأساس، قابل للصرف. كما كانت الفكرة أيضا هي إنشاء وحدة حساب دولية على أساسها يمكن أن تستند العملة الإسلامية، وبالتالي استقطاب جزء من الحجم الضخم للاحتياط والصفقات الإسلامية. على سبيل المثال مخزون الصكوك يقدر بمئات الملايير من الدولارات. لماذا ما يسمونه “بنوكا إسلامية” ليست إسلامية، أولا، كما قلت لأن كل المنتوجات التي تقدمها هي منتوجات لا مخاطرة فيها وكلها منتوجات مضمونة، في حين أن الضمان في الإسلام ممنوع، بدليل أن التأمينات كانت حراما في أذهان الناس، لأنها مبنية على مبدأ الضمان، وكان علينا أن نشرح للناس أن التأمينات ليست ضمانا، وإنما مخاطرة من أجل أن نصل إلى التكافل. الأمر لا يتعلق بتحريم إنشاء أموال على أموال، بل يتعلق بمنع ربح أموال دون فعل شيء دون عمل. الإسلام يمنع تراكم الأموال من أجل تراكم الأموال.إذن، أنشأنا الدينار الذهبي من أجل أن يتمكن البنك المركزي من وسائل تجعله البنك المرجع في العالم للبنوك الإسلامية. لأنه حتى في حالة ما إذا كنا أمام حالة بنك قائم على اقتسام المخاطر، وهي حالة غير موجودة الآن، لابد للأموال من التنقل دائما، فحين أعطي قرضا بالدينار، أنا مجبر على أن تنتقل الأموال عبر البنك المركزي الذي يجعله ينتقل عبر العالم، كل العملات في العالم، اليوان والروبل والين، يتنقل عبر الدولار، في حين أن أساس الدولار هو نسبة الفائدة. وبالتالي ما لم يكن هناك أساس دولي إسلامي، لن يكون هناك بنك إسلامي.- ولكن في البداية قلنا إن نسبة الفائدة ليست الربا؟هذا صحيح، لو كان الأمر يتعلق بنسبة فوائد هي محصلة وناتج عن سوق بأتم معنى الكلمة، في حين أن نسبة الفائدة هنا لا تحددها السوق، بل يحددها تدخلات مضاربة مستمرة، وهذا أمر معروف، بدليل الفضيحة، منذ سنوات، حول مناورات حول نسبة الفوائد، وحول بعض القروض في لندن، لأن مركز العالم ليس نيويورك بل لندن، حتى وإن كان الأمر يتعلق بالدولار. و””la city de londres” هي المركز وستبقى كذلك، فهي التي أنشأت العالم منذ قرون، ولم يتغير شيء. ومادامت “la city de londres” تسير كل التدفقات المالية في العالم لا يمكن أن تكون هناك عملة إسلامية.الفكرة كانت أن ننشئ ما يشبه عملة بديلة، حتى نتمكن من تسيير مركزي للسوق، لأن السوق المالي الإسلامي سوق ضخمة جدا. الذين فهموه هم الغرب، وبالتحديد الإنجليز. والإنجليز لا يثقون في العرب.كانت هناك قمة لكل الدول الاستعمارية 1903- 1907حيث اتفقوا على أن لا يسمحوا لدول العالم العربي الإسلامي بالعودة إلى ما كانوا عليه في السابق.حين أصبحت السوق، بفضل الوهابية التي هي صناعة إنجليزية، سوقا ضخمة، لأن جميع المسلمين تحولوا إلى إسلماويين، أنشأ الإنجليز “نوافذ في البنوك الكلاسيكية الربوية سموها “بنوكا إسلامية”. وإذا لاحظتم فإن المنتوج المالي الإسلامي دائما أغلى من المنتوج الربوي.بعدها لم يعتمدوا أي بنك إسلامي في العالم العربي، بل فتحوا مناطق “أوف شور” إسلامية في ماليزيا، “لابوان”.الإنجليز، أو لنقلها بوضوح اليهود المعروف أنهم يتحكمون في السوق المالية، فهم الذين خلقوا “الغولدمان ساكس”، و”البلاك لوك”، خلقوا عددا من مراكز الاستقطاب المالي، في هونكونغ ثم سنغافورة ثم دبي، ثم لابوان، وضخ الفائض المالي، دون بنك مركزي، لأنهم لا يريدون أن يكون هناك نظام مالي إسلامي. بالنسبة إلينا، ودون السقوط في فخ القذافي الذي كان يقول سنهزم الفرنك الفرنسي بالدينار الذهبي الإفريقي، لم يكن الأمر كذلك، كانت الفكرة أن نستقطب بالدينار الذهبي “استثمارات” الدول العربية الإسلامية بكل التوجهات التي كانت في حاجة إلى مركز ضمان، ليس بمعنى غياب المخاطرة، ولكن بمعنى مخاطر مسيرة بفضل بنك جدير بهذا الاسم.لو كان الفرنسيون أذكياء، والفرنسيون ليس أقوياء في المجال المالي، لانقضوا على الفرصة، وشاركوا الجزائر عوض محاربتها باستمرار، حتى يتمكنوا من الوجود في وجه الأنجلوساكسون. – لكنهم فعلوا ذلك، سوسيتي جنيرال فتحت بنوكا إسلامية؟أنت تتحدث عن قيم مالية تافهة، وأنا أتحدث عن ملايير الملايير الدولارات. أنت تتحدث عن فتحهم شباكا أعطوه في الأخير إلى الإنجليز. بفتحهم، 5 سنوات بعد الآخرين، نوافذ إسلامية في بنوكهم أثبتوا أنهم متخلفون عقليا.ففي الوقت الذي كان يفترض أن يسيروا في الطريق الذي سطرناه، حاربونا، حكاية إعادة الجدولة، مقابل إعادة التشكيل في صلب الموضوع، لأن الفرنسيين لم يكونوا ليقبلوا حتى بفكرة أننا نفكر مستقلين عنهم لم تكن ليتصورها.ولكن كيف حاربونا، لأنه في ذلك الوقت كان النظام، للأسف، منشغل فقط ببقائه الذي كان يمر عبر شرعية من فرنسا ودعم منها. كان لديهم رأي على الاقتصاد، وكانوا يقولون بضرورة إعادة الجدولة. لماذا يجب الذهاب إلى إعادة الجدولة، لأن الشرعية لم تكن تأت من الشعب، إنما من الاعتراف من الخارج. والخارج كان يشترط إعادة الجدولة إذن يجب إعادة الجدولة.أما بالنسبة إلى “الفيس” (الجبهة الإسلامية للإنقاذ)، فليس هناك أخطر من المسلمين المغشوشين. إنهم أكبر سند لاقتصاد المضاربة، إنهم على النقيض تماما من الاقتصاد الإسلامي الذي هو اقتصاد مخاطرة.- ولكن في الأخير مشروعهم هو الذي مر؟بطبيعة الحال. لسنا مستقلين، مادمنا نبحث عن الاعتراف من الخارج.- وماذا عن المنظور التقني؟وهل تعتقدون أن المال مسألة تقنية؟ ليس هناك أكثر سياسة من المال، من أين تأتي السلطة؟ ماهي السلطة أصلا؟ هو جدال مستمر، هل السيف هو من يسمح بالثراء أم المال يسمح بشراء العسكري.اليوم ما لم نحل مشكل قدرة المسلمين ليس فقط على السير بطريقة مستقلة ، ما دمنا لم ندخل في عالم متعدد الأقطاب وبالتالي متعدد مراكز المال، تعدد العملات بينها العملة الإسلامية حسب الباقي كله مسألة تسميات لتغطية مضاربة أخطر من مضاربة البنوك الكلاسيكية.- تربط الحكومة خيارها في التوجه إلى ما تسميه “الصيرفة الإسلامية”، بمحاولة استقطاب أكبر حجم ممكن من أموال الاقتصاد الموازي الموجود خارج نطاق البنوك. هل تعتقد أنه بإمكانها استقطاب هذه الأموال؟- هذه مسألة مصداقية الدولة وبنوكها، ومدى قدرتها على إقناع المواطن، أولا بأنه يمكن أن يثق فيها، وثانيا أن المنتوج الذي تبيعه إياه “منتوج إسلامي”. يبدو لي أن الأمر ممكن، فقد رأينا أيام كان الناس يشترون السيارات، وكل القروض الاستهلاكية “الإسلامية” بيعت جيدا. وحين كنا نقول للمواطن إن السيارة بـ “القرض الإسلامي” تكلفك أكثر من شرائها بـ “قرض كلاسيكي”، كان يرد بأن الأمر لا يهم.المسألة مسألة وعي، كم من مرة دعيت في المساجد والزوايا، من التجار للحديث عن الموضوع، وأعيانا الشرح لهم بأن هذه القروض التي تسمى “إسلامية” حرام، يردون عليك بأنك على الصواب، ولكن في النهاية يطلبون منك مساعدتهم على فتح “بنك إسلامي”.- أنشئت هيئة شرعية للفتوى في مطابقة المنتوج الذي تقدمه هذه البنوك للشريعة الإسلامية تحت مظلة المجلس الإسلامي الأعلى، لكننا نجد فيما بعد أن كل بنك له هيئة فتوى خاصة به. لماذا هيئتان لفتوى واحدة؟ والغريب أن أعضاء هيئة فتوى البنوك هم نفسهم أعضاء في الهيئة التابعة للمجلس الإسلامي الأعلى؟لأن كل مستشار يدفع له، نحن أمام ليبيرالية تواطئية، أنت لك شركة تأخذني أنا مديرا لها، وعندي شركة آخذك أنت مديرا لها، أنا أغمض عيني عم تفعله، وأنت تغمض عينيك عم أفعل. اليوم كل شيء يباع.أعيد وأكرر هذا الذي يسمونه “بنوكا إسلامية” مخالف تماما للإسلام، وإذا كان هناك كل هذا الكم من الفتاوى المخالفة للإسلام، فلأن هناك أموال تدخل الجيوب.- البنوك التي تسمي نفسها اليوم “بنوكا إسلامية” تقدم، في العموم، منتوجين اثنين، هما قرض من أجل شراء سكن أو قرض من أجل شراء سيارة، ولكن هذه البنوك في الأصل لا تملك فعليا حضيرة عقارية ولا حضيرة سيارات. هل يمكن أن نبيع شيئا لا نملكه؟أن تأتي بالسكن، وهو يقوم بتركيب مالي، مثلما يقول المثل، “من لحيته بخر له”، لذك قلت في البداية إنه “تركيب مضمون، وكالة عدل تبني، هو لم يخاطر ويقرض الأموال لوكالة عدل، هذه البنوك تأتي بالأموال من البنك المركزي، بنسبة فائدة 5 في المائة، وهو يعيد بيعك هذه الفوائد بنسبة فائدة 10 في المائة، ثم يلبس هذه العملية لباس “قرض إيجاري”، لكن هذا السكن ليس باسمك، بل باسم البنك، يمكنك أن تسدد لمدة سبع سنوات، في السنة الثامنة لا تقدر على التسديد، ذهب السكن، ولا يعوضك شيئا. هذه البنوك لا تأخذ أية مخاطرة، هي اشترت أموالا بنسبة فائدة وباعتها لك بنسبة فائدة أكبر في شكل إيجار.أعتقد أن الفتوى الحقيقية والوحيدة، هي أن الفائدة حلال. وهذا مشكل طرح على النصارى إلى غاية القرن الخامس عشر، حين أقر الفاتيكان، تحت وطأة احتكار اليهود لسوق المال، أن هناك فرق بين الربا والفائدة، فالربا اختراع يهودي، اليهود أجازوا الربا، ولكن الربا ليس الفائدة، والإسلام لم يحرم الفائدة، الربا هو المضاربة، هو استغلال وضعية القوة. حتى في البنك المركزي هناك شيء اسمه الفائدة “taux d’intérêt”، والربا “taux d’enfer” وحتى “super enfere”، من أجل إحجام المقترض على القرض.المفارقة أن تفريق النصارى بين الربا والفائدة كان مع عصر النهضة، لولا هذا التفريق لما كانت النهضة، لأن تحرير الأموال من شبكات الاحتكار اليهودية حرر ديناميكية التجارة.الحل إذن في تحرير الفكر، كما في محاولات النهضة لجمعية العلماء المسلمين أيام البشير الإبراهيمي، وتصحيح مفهوم الربا، ومفهوم الفائدة، العودة إلى الفهم الصحيح لمبدأ اقتسام المخاطرة. الضريبة في الإسلام تحسب بناء على هذا الفهم. ما هو الشيء الخاضع للضريبة في الإسلام؟ الإسلام ينطلق من مبدأ من لا يعمل يدفع، ومن يعمل يجازى، غير أن الوهابية دفعت المسلمين إلى الاعتقاد بأننا يمكن أن نربح المال دون أن نعمل، بدليل أن اليوم في الجزائر لا أحد يريد أن يعمل، الكل ينادي: “أعطني حقي”.

حاوره مهدي براشد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!
إغلاق
إغلاق